انتهى زمن الحرب التقليدية وانخفضت قيمة الطائرات التي ظلت سيدة الموقف لعقود طويلة ومعها أيضاً انخفضت قيمة الدبابات، كل ذلك أمام سلاح الصواريخ الذي لم يعد حكراً على الدول الكبرى أو المتقدمة وإنما شيئا فشيئا يتحول إلى سلاح شعبي بكل ما في المصطلح من معنى. صار بإمكان شاب يمتلك مواد خام أولية وبدائية صنع صاروخ، ولا علاقة بالمتفجرات ولا المسافة ولا دقة الإصابة وإنما بالمبدأ والمبدأ وكل شيء يتطور وسريعاً بفعل ثورة تكنولوجيا الاتصالات والموصلات والمعلومات.
من السيف إلى الصاروخ
العلاقة بين الأسلحة علاقة محاولة النفي للآخر، هكذا تقول قصة تطورها منذ وجد السيف كأول سلاح في التاريخ ظهر مقابله السيف، ولكن المعادلة اختلفت وأخذت نمطيتها المستمرة إلى ما لا نهاية منذ وجد الرمح وظهر مقابله الترس.. الدبابة والطائرة.. الطائرة والصاروخ.. الصاروخ والصاروخ المعترض وباختصار لا يوجد نهاية للتاريخ ولا لتطور السلاح ولا أيضا لاحتكاره الأبدي.
سعي دول كثيرة ومتطورة لاحتكار أي نوع من السلاح محاولة لها نهايتها، وفقط المسألة في لعبة الزمن التي تطول أو تقصر، وان كان سياق التطور البشري يظهر دائما أن الزمن يقصر سريعاً، وهذا ما يثير قلق الدولة صاحبة الاحتكار للسلاح وخاصة النووي وغيره من الأسلحة غير التقليدية.
إن الاعتماد على سلاح واحد والاعتماد عليه فقط هو نوع من الانتحار، وان كان سلاح الصواريخ اخذ يثير القلق لدى دول كثيرة في العالم وخاصة انه المركزي في هذه اللحظة والممتدة إلى حين غير معروف ولا سيما بتحوله إلى سلاح شعبي أخذت تلجأ إليه حركات التحرر والمقاومة أو "الحركات الإرهابية" لا قيمة لكل المصطلحات أمام حقيقة شعبية الصواريخ.
من الحجر إلى الرصاصة وإلى الصاروخ البدائي
المقاومة دفاع عن النفس وحق طبيعي قبل أن تكون حقاً قانونياً وشرعياً، لأنه إذا ما وقع أي شيء قريباً من عينك سرعان ما تتحرك يدك للدفاع وهذا ينطبق على كافة الكائنات الحية قبل أن تشرعه المواثيق والقوانين الدولية.. أميركا ومن معها تحاول سلب هذا الحق تحت لافتة الإرهاب وهي بذلك تعاند الطبيعة والتاريخ لأن القوة مثلما لا تسلب الحق فهي لا تسلب المقاومة لاسترجاع الحق.
سعى الفلسطينيون للدفاع عن حقهم منذ بداية الاحتلال البريطاني لأرضهم ولجأوا لكل أشكال المقاومة المتاحة في ذلك الحين، ولكن المعادلة كانت غير متكافئة، وإدارة الصراع سلبية بالانقسام والصراع على سلطة غير موجودة تحت الاحتلال، ودفعوا الثمن سلبهم حقهم الطبيعي في أرضهم وحياتهم ووجدوا أنفسهم مشردين ولاجئين ومضطهدين. وكان من الطبيعي أن يواصلوا المقاومة.
إن الفلسطينيين قاوموا في كل مرحلة بالوسائل المتاحة من البندقية القديمة إلى السلاح الأبيض إلى البندقية الحديثة إلى الحجارة والى صاروخ الكاتيوشا والعبوات الناسفة والسكاكين والى العبوات البشرية ولم يحققوا أهدافهم كما يريدون في كل مرحلة ولكن الأهم أنهم لم يستكينوا للواقع وواصلوا المقاومة وصولاً للصواريخ البدائية.
وبالمعنى البسيط أنهم لن ييأسوا ولن ييأسوا هكذا قالت مسيرتهم التاريخية.
الدرس الذي لم يتعلمه الاحتلال
الحركة الصهيونية حركة محكومة بالقوة وغرور القوة اللانهائي كما يقول عدوانها المستمر، فهل هي عقدة القوة المحكومة بقانون نفي النفي أم عقدة الضعف الحاضرة دائما عند القوي أم هو الغباء المستأصل الذي يجعل القوي محكوماً بالجنون واللامنطق، أم هو كل ذلك معا؟.
لا توجد إجابة قاطعة، وفقط ما هو موجود إن المقاومة وعي مرتبط بالواقع الذي يحفظ الفكرة جيلاً بعد جيل وتلقائيا، واستمرار المقاومة بأشكال تصاعدية مرتبطة بزيادة المتاح من الأسلحة والأسلحة وهو الاحتلال المسؤول عن ذلك لأنه الأب الروحي والمادي للمقاومة التي يمكن أن تتراجع أو تهدأ ولكنها سرعان ما تنطلق من جديد وفقاً للظرفين الموضوعي والذاتي المتغيرين بين مرحلة وأخرى.
ثورة المعلومات والسلاح
الثورة المعلوماتية التي احدثتها الثورة التكنولوجية في وسائل الاتصال من القمر الصناعي الى الشبكة العنكبوتية والتي كسرت حواجز الحجب والاحتكار وفرت كماً هائلاً من المعلومات في كافة مجالات الحياة وجعلتها في متناول الجميع ومن ضمنها المعلومات عن السلاح.
إن الحجر الذي يمارس على تكنولوجيا الاسلحة اصبح ينطوي على صعوبة يوماً بعد اخر وهذا ما يزيد من قلق الدول المتقدمة التى تصر على احتكار التكنولوجيا المتقدمة في حرب قديم وان كانت غير معلنة بين دول وشعوب العالم وليس في مبدأ العقوبات سوى رد فعل على محاولات امتلاك التكنولوجيا المتقدمة.
إن الصورة التي قدمها الغرب لضرب العراق والعدوان عليه واحتلاله هي صورة مخادعة باءدعاء امتلاك اسلحة غير تقليدية لأن الخط الاحمر الذي اقلق الاميركيين والذي دفعهم لارسال رسائل عديدة لبغداد هو اقدامها على اقامة مصنع لصناعة المكائن وهو القاعدة التي دونها لا يمكن التأسيس لاية نهضة صناعية.
الآن ثورة المعلومات كافية لكسر تكنولوجيا السلاح، كما دلت على ذلك المحاولات لصنع صواريخ بدائية او تطوير صواريخ وبذلك فإن الثورة المعلوماتية وفرت قاعدة كافية للشعوب المحتلة او المضهدة لتطوير قدراتها في امتلاك اسلحة اكثر فعالية.