مقدمة
إن المراقب للأحداث التي تجري على الساحة الفلسطينية بشكل عام وعلى ساحة المسجد الأقصى بشكل خاص يتأكد له بروز تحديات صعبة وقاسية تواجه المسجد الأقصى وأهله، ويمكن إجمال هذه التحديات فيما يلي
أولا: الاحتلال الإسرائيلي وسياساته:-
يعتبر الاحتلال الإسرائيلي من أخطر التحديات التي واجهها ويواجهها المسجد الأقصى فهو العدو الرئيسي والتاريخي والمستقبلي للمسجد وذلك بإعلانه صراحة ً من خلال قادته العسكريين والسياسيين والأكاديميين بأن الهدف النهائي لاحتلال المسجد الأقصى هو تدميره وإقامة هيكلهم المزعوم، وقد دلت الخطوات الممنهجة التي اتبعها الاحتلال إلى تأكيد هذه الحقائق وإليك التالي
الحفريات-
تهدف هذه الحفريات في كل مراحلها إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم وهذا ما صرح به هيرتزل قبل حوالي 150 عام حينما قال : ( لو عشت حتى قيام الدولة اليهودية فسأهدم كل ما ليس يهوديا في القدس )، وأستطيع أن أؤكد من خلال إطلاعي اليومي على ما يجري في القدس ومحيط المسجد الأقصى على ما يلي
غلفت جميع مراحل الحفريات والتنقيب عن الآثار بأهداف علمية أثرية تحت عنوان استكشاف إسرائيل أو فلسطين القديمة أو البحث عن الآثار
تعاونت مؤسسات عالمية، بريطانية، وأمريكية، وألمانية وفرنسية وصهيونية ومؤسسات محلية إسرائيلية على دعم هذه الحفريات ومدها بالأموال حتى أن معدل ما ينفق سنويا على هذه الحفريات يزيد على 35 مليون دولار
كانت الحفريات في الماضي أي منذ عام 1967 وحتى عام 1985 تأخذ شكلا أفقيا في المدينة وحول المسجد الأقصى من أجل الحصول على أكبر كمية ممكنة من مساحة البلدة القديمة لمصادرتها بحجة البحث عن الآثار،ولذلك تم بسرعة هدم حارة المغاربة ولم يبقى منها إلا التلة – أي الطريق المؤدية إلى باب المغاربة في المسجد الأقصى، وتم السيطرة على حارة الشرف وهو ما يعرف اليوم بالحي اليهودي وتم السيطرة على معظم مداخل المدينة وعلى أجزاء كبيرة من مساحتها حيث أن مجموع المساحة التي تم السيطرة عليها تزيد على 420 دونم وهي تشكل ثلاث أسداس مساحة البلدة القديمة المسورة
ومنذ عام 1985 وحتى عام 2006 أخذت الحفريات الشكل العمودي والنزول في باطن الأرض حتى وصلت بعض الحفريات إلى عمق أكثر من 40 مترا والوصول إلى الآبار وقنوات المياه وتحطيم كل ما هو إسلامي في طريقها واستعمال آلات الحفر وكل المواد الكيماوية المحرمة من شأنها تفتيت الصخور وتوسيع الأنفاق ومحاولة النفوذ تحت المباني المقامة تحت ساحات المسجد الأقصى، وما جرى من افتتاح لنفق (الحشمونئيم) على طول الحائط الغربي للمسجد الأقصى بطول 450 مترا وبأعماق مرتفعة جدا ومختلفة وصلت في بعض الأحيان 20 مترا ويزيد والأنفاق التي اتجهت نحو سلوان والمباني التي استغلت في هذه المرحلة واستعملت ككنائس ومتاحف ومطاعم واستفيد منها سياحيا من أجل غسل دماغ السياح ليدلل على طبيعة هذه المرحلة
ومع بداية عام 2007 بدأت الحفريات تأخذ طابعا جديا حيث بدء البناء بكنائس ظاهرة فوق ما حفر قديما وهذا ما جرى في طريق الواد بالقرب من حمام العين وحمام الشفاء وأيضا شرع في إزالة التلة الترابية الظاهرة والتي تمد المسجد الأقصى بممر مهم وواضح جدا إليه وتحت هذه التلة تم الحفر منذ سنوات طويلة كما أشرنا وفيها بعض المعالم الأيوبية والمملوكية المدفونة والعمل ما زال جاريا من أجل تدمير كل ما هو إسلامي وإنشاء جسرا زجاجيا مكان هذه التلة يرمز إلى مدخل الهيكل المزعوم
إننا ننظر إلى أن مستقبل هذه الحفريات هو التوسع بشكل أفقي في معظم أنحاء المدينة والتعمق عموديا بجوانب جدران المسجد الأقصى والنفوذ إلى داخله من أجل هدم المسجد الأقصى وإنشاء مدينة تحتية للسياحة اليهودية ومن ثم تهويد مدينة القدس وإخلاء معظم السكان العرب فيها بحجة أن المباني التي يسكنون فيها معرضة للخطر وهذا أمر خطير جدا
النتائج التي وصلت إليها الحفريات منذ عام 1967 وحتى الآن : أظهرت أن ما تم كشفه هو عبارة عن آثار أموية في محيط السور الجنوبي وأن 90% من هذه الحفريات هي عبارة عن قصور أموية و10% من ما تم كشفه يعود إلى الفترة الرومانية المسيحية. أما في محيط الجهة الغربية فقد تم الكشف عن آثار أموية لدار الإمارة الأموية وعن آثار عباسية وأيوبية ومملوكية وعثمانية وحتى بعض المقابر الإسلامية وكل هذه النتائج منشورة في تقارير أصدرها علماء آثار يهود أشرفوا على هذه الحفريات أمثال: بن دوف، ومازار وغيرهم
كما أكدت النتائج أنهم في مسيرة حفرياتهم القديمة والحديثة والجارية الآن لم يعثروا على أي أثر للهيكل المزعوم ولو بمقدار كف اليد والسؤال إذن من فمك أدينك، فلما هذه الحفريات
تطويق المسجد ومصادرة أوقافه والأبنية الملاصقة فيه-
فمنذ دخول الاحتلال عمد الكيان الصهيوني إلى سن قوانين ترمي إلى السيطرة على المسجد الأقصى كان أخطرها قانون أملاك الغائبين والذي سمح بمصادرة مساحات واسعة من الأراضي الوقفية الموقوفة على المسجد الأقصى وإنشاء مباني إسرائيلية عليها
عمد الكيان الصهيوني إلى السيطرة على مفاتيح باب المغاربة والمدرسة التنكزية والمدرسة العمرية وإلى وضع مقر للشرطة الإسرائيلية في ساحات المسجد الأقصى وتوزيع أفراد من الشرطة وحرس الحدود على البوابات الرئيسية للمسجد الأقصى المبارك، وأصبح المسجد تحت عين وحراب العدو الصهيوني واستخدم أساليب عديدة من كاميرات وبوابات إليكترونية وحواجز وكان آخرها عمل سياج معدني مكهرب على محيط المسجد الأقصى المبارك
الاعتداءات المتكررة والمبرمجة على المسجد-
يمكن الرجوع إلى ملف دفتر أحوال المسجد الأقصى لتشاهد الكم الهائل من الاعتداءات على المسجد الأقصى وكان أشهرها حريق المنبر في 21 آب 1969 وتفريغ بئر قايتباي من المياه والوصول إلى أسفل درجات سطح قبة الصخرة في عام 1982، ومحاولة زرع المتفجرات في المسجد في عام 1986 ناهيك عن المجازر التي ارتكبت في المسجد الأقصى في عام 1990 وفي عام 1996 وقد تم نشر هذه الاعتداءات في الصحف والمجلات
قطع كل الروافد البشرية التي تعمر المسجد الأقصى-
عمد الكيان الصهيوني منذ البداية إلى فصل قطاع غزة عن المسجد الأقصى ثم إلى فصل الضفة عنه ثم إلى فصل ضواحي قريبة من القدس عن الوصول إليه واستعان بذلك بالحواجز وآخرها الجدار العنصري الذي حرم أربعة ملايين فلسطيني من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك
مع مطلع عام 2007 حاول الكيان الصهيوني محاصرة أهلنا في الـ 48 ومحاولة إخراج الحركة الإسلامية التي يرأسها الشيخ رائد صلاح عن القانون من أجل منع أكبر عدد ممكن من الذين يحملون الجنسيات الإسرائيلية من المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى
أغلقت السلطات الإسرائيلية جميع الجمعيات واللجان التي كانت تعمل لصالح المسجد الأقصى والقدس وكان على رأسها لجنة التراث الإسلامي ثم عمدت إلى إغلاق كل مكاتب السلطة الفلسطينية في شرقي القدس وذلك بهدف إضعاف الدور الشعبي والمؤسسي اتجاه الأقصى والقدس
القوانين الإدارية والإسرائيلية المتعسفة-
استطاع الكيان الصهيوني ومن خلال محاكم وهمية أن يستصدر قرارات لصالح المنظمات والجمعيات الإسرائيلية الاستيطانية والتي تعمل من أجل بناء الهيكل وهدم المسجد الأقصى والتي وصل عددها إلى أكثر من 20 جمعية حيث سمحت لها هذه المحاكم بأداء الصلوات اليهودية في ساحات المسجد الأقصى
استطاعت سن قانون منع أي فلسطيني من دخول المسجد الأقصى بحجة الحفاظ على الأمن ومنذ عام 2001 وحتى الآن منعت أكثر من 80 فلسطيني من سكان القدس ويحملون الهوية الإسرائيلية من الدخول إلى المسجد الأقصى المبارك
فرضت قوانين تخول بلدية القدس بالتلاعب وتزوير الحقائق حيث أصدرت خرائط وغيرت معالم وأسماء فمثلا: تم تسمية باب النبي (الباب المزدوج) باسم باب خُلدة، وتم تسمية البراق (الكوتيل) وباب الرحمة وباب التوبة (الباب الذهبي) باب رحمنيوت، وحتى المسجد الأقصى أسموه بغير اسمه ويطلقون عليه اسم (هار هبيت = جبل الهيكل)،كل ذلك يهدف إلى طمس الصورة الإسلامية عن هذه الأماكن
كما أن هذه القوانين أعطت صلاحية للبلدية بإقامة أبراج ومباني وحصون ضخمة أعلى من أسوار المسجد الأقصى وتم دمج المدينة بشقيها الغربي والشرقي وزيادة عدد المستوطنين في داخل المدينة مقابل تفريغ السكان المسلمين من بيوتهم وتهجيرهم والتنكيل بهم من أجل سياسة فرض الأمر الواقع على هذه المدينة وفي محيط المسجد
ثانيا ً: الواقع الفلسطيني وسياساته
لم يستطع الفلسطينيون منذ بداية الاحتلال أن يرسموا سياسة واضحة اتجاه المسجد الأقصى بل تم تأجيل بحث القدس والأقصى إلى إشعار آخر ولم يبحث حتى الآن
لم يكن الأقصى والقدس واقعا ً عمليا ً يجمع كل الأحزاب والحركات الفلسطينية كمنهج لتحريره بل وجدنا هناك من رفع شعارا ً يناهض هذا الواقع
في اليوم الذي قبلنا فيه أن تكون القدس والمسجد الأقصى قضية عربية بعدما كانت إسلامية ثم حصرناها فأصبحت فلسطينية ثم مقدسية ثم ملف القدس والذي حمله المرحوم فيصل الحسيني وبوفاته انتهى شيء أسمه ملف القدس
المؤسسات المقدسية مشتتة داخليا ً وليس لها أب ولا أم حنون ولا من يأخذ بيدها نحو وحدة الهدف والمصير
الجهد المبذول من الأخوة الفلسطينيين في الـ 48 جهد مبارك ولكن سرعان ما يتم تطويقه وتهميشه وبالتالي فهو يصل إلى سقف محدود
ثالثا : الواقع العربي و الإسلامي
فرط العرب والمسلمون في الأقصى في 1967،1948، وما زال التفريط حتى هذا اليوم على مستوى الجيوش والحكام
واليوم هناك ما هو أخطر وذلك بقمع الشعوب العربية والإسلامية وتكميم الأفواه التي تنادي بتحرير المسجد الأقصى وزجها في السجون ونفيها وتشتيتها في البلاد
الحكومات العربية والإسلامية اكتفت بالاستنكار والشجب ومازالت تلهث وراء سراب السلام وعقد اتفاقيات من شأنها أن تجعل المسجد الأقصى مكبلا ً أسيرا ً يجابه كل هذه التحديات
رابعا ً: ختاما فإننا نوصي بما يلي-
تنفيذ القرارات الدولية التي صدرت من الهيئات العالمية وخاصة اليونسكو حيث منعت إسرائيل من إجراء مثل هذه التغييرات، بما أن القدس مسجلة في التراث العالمي في اليونسكو فعليه لا يجوز للمحتل العبث في هذه المعالم الأثرية.
لا بد من تشكيل لجنة إسلامية عالمية ومحلية مختصة في شؤون الآثار لمتابعة ما يجري ونشر تقارير فصلية أو شهرية لإطلاع المسلمين في العالم على ما يجري من حفريات حول المسجد الأقصى
علينا مقاطعة الكيان الصهيوني وعدم التطبيع معه وخاصة الدول العربية والإسلامية والتي تقيم علاقات مع هذا الكيان
البقاء على خيار المقاومة وعدم التنازل والتفريط بموضوع المسجد الأقصى المبارك وإعادة قضية المسجد الأقصى على رأس سلم أولويات الأمة العربية والإسلامية
إعادة الروحانية والقداسة للمسجد الأقصى والقيام بحملة توعية شاملة محلية وعالمية يشارك فيها الإعلام بكل وسائله والجامعات والمؤسسات الرسمية والشعبية
التواصل مع أهلنا في بيت المقدس وعمل توأمة وتثبيت ودعم الأهالي هناك وزيادة عدد السكان
تفريغ مختصين لإعداد دراسات تاريخية وأثرية وميدانية وتحليلية عن الأقصى والقدس.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين